من هي الإعلامية الليبية حنان المقوب وقصة عثورها على عائلتها من تيك توك
في عالمٍ مشبع بالأخبار العادية والمألوفة، نادرًا ما تخرج قصة إنسانية تلامس القلوب وتثير الدهشة، مثل ما حدث مع الإعلامية الليبية حنان المقوب. لم تكن مجرد قصة لمّ شمل بعد سنوات من الغياب، بل كانت إعادة تشكيل لهوية إنسانية ضاعت ملامحها لأربعة وأربعين عامًا. والأكثر إثارة أن خيط البداية لم يكن تحقيقًا أو تحريًا، بل كان بثًا مباشرًا عبر تطبيق “تيك توك”.
في هذا التقرير، نكشف من هي حنان المقوب، ولماذا أصبحت قصتها ملهمة لملايين المتابعين، وكيف قلبت مكالمة غير متوقعة حياتها رأسًا على عقب.
من هي الإعلامية الليبية حنان المقوب؟
حنان المقوب إعلامية وناشطة حقوقية ليبية، وُلدت في ظروف غامضة في أوائل الثمانينات، وعُرفت لاحقًا بمواقفها السياسية والحقوقية الجريئة داخل ليبيا. رغم خلفيتها المتواضعة، برزت في المجال الإعلامي خلال العقد الأخير، وشاركت في تقديم برامج حوارية وتوعوية، خاصة عبر المنصات الرقمية التي كانت وسيلتها الأقرب للتواصل مع الناس.
لكن خلف وجهها الإعلامي المعروف، كانت تُخفي حكاية شخصية مؤلمة، لم تكن هي نفسها تعلم كل تفاصيلها. فقد نشأت وهي تظن أنها مجهولة النسب، لا تعرف من أين جاءت، ولا من هم والداها الحقيقيان.
البداية المأساوية.. فقدان قبل أن تبدأ الحياة
تبدأ فصول الحكاية منذ أكثر من 44 عامًا، حين وُجدت حنان المقوب رضيعة أمام أحد المساجد في ليبيا. آنذاك، أُبلغت والدتها بأن المولودة توفيت أثناء الولادة، فغادرت المستشفى بقلب مكسور، غير مدركة أن طفلتها حيّة وقد نُقلت بطريقة ما إلى دار للأيتام.
لم تعرف حنان شيئًا عن هذه التفاصيل، بل كبرت وهي تعلم فقط أن عائلة ليبية تبنّتها عندما بلغت الثانية من عمرها، وأن والديها بالتبني وفّرا لها بيتًا واسمًا، دون جذور واضحة أو ماضٍ معلوم.
العيش بين الحنان والشكوك
رغم محبة عائلتها بالتبني، ظلت حنان تحمل بداخلها إحساسًا غريبًا بالفراغ، فكلما كبرت، كانت تشعر بأن جزءًا منها مفقود. لم تكن تعرف لماذا تشعر بأنها مختلفة، ولا لماذا تشغلها دائمًا فكرة “من أنا فعلًا؟”.
عاشت سنوات شبابها في كنف العائلة، حتى فارق والداها بالتبني الحياة. عندها، بدأت معركتها مع البيروقراطية، إذ طلبت منها الجهات الاجتماعية العودة إلى دار الرعاية، لأنها تُعد قانونيًا “بلا ولي شرعي”.
لكنها رفضت ذلك تمامًا، وقررت أن تبدأ مسيرة استقلال صعبة. انخرطت في العمل العام، وبرزت كصوت نسائي حرّ في ليبيا، يُدافع عن قضايا النساء والأيتام والمهمّشين، ما عرّضها لمضايقات عديدة وصلت إلى حد التهديدات.
اللحظة المفصلية.. مكالمة من تيك توك
في مايو 2025، كانت حنان تقدم بثًا مباشرًا على “تيك توك”، كما اعتادت في تواصلها مع جمهورها. فجأة، تلقت مكالمة من شاب يُدعى عمر موسى، لم يكن يعرفها شخصيًا، لكنه تابعها، وقرر أن يشاركها قصة والدته.
قال عمر إن والدته رُزقت بطفلة قبل 44 عامًا، لكنها أخبرها الأطباء آنذاك أن الطفلة توفيت أثناء الولادة. غير أن والدته لم تقتنع قط، وكانت تشعر في أعماقها أن ابنتها على قيد الحياة.
بدأت حنان تشعر بأن هناك رابطًا غريبًا في القصة. تشابه التواريخ، وتطابق الأحداث، ثم جاءت اللحظة الحاسمة عندما أخبرها عمر أن والدته لا تزال تحتفظ بصورٍ ووثائق تتعلق بتلك الواقعة.
الصدمة.. والتأكيد.. والانهيار
لم تمر أيام كثيرة حتى تم التحقق من أن عمر موسى هو شقيق حنان البيولوجي، وأن والدته، التي ظنّت أن ابنتها ماتت، هي أمّها الحقيقية. اللقاء الأول تم في طرابلس بعد ترتيب من العائلة، وكان مليئًا بالدموع والذهول والدهشة.
حنان نشرت لاحقًا فيديو عبر حسابها على فيسبوك وتيك توك، قالت فيه:
“كنت أظنّ أنني بلا جذور، مجهولة النسب، فاكتشفت أنّ لي عائلة تشبهني وتنتظرني منذ أكثر من 40 عامًا.”
إعادة بناء الذات بعد سنوات من التيه
لم يكن من السهل على حنان استيعاب الصدمة. فمن جهة، شعرت بفرح غامر، ومن جهة أخرى، ألم على السنوات التي ضاعت منها دون أن تعيش طفولتها الحقيقية، أو تنادي أمّها بذلك الاسم الحميمي: “ماما”.
لكنها، كعادتها، حولت هذه التجربة إلى نقطة انطلاق. بدأت في إجراءات قانونية لتوثيق نسبها، كما أعلنت عن نيتها إطلاق مبادرة إنسانية لدعم الأطفال فاقدي الأهلية القانونية.
حنان المقوب رمز للأمل في زمن السرعة
تُجسد قصة حنان المقوب شيئًا أعمق من مجرد قصة لمّ شمل. إنها دليل على أن الحقائق لا تموت، بل تختبئ بانتظار اللحظة المناسبة للظهور. وفي عصر التكنولوجيا، قد تأتي الإجابات من أكثر الأماكن غير المتوقعة: بث مباشر على تيك توك.
قضيتها فتحت أعين الكثيرين على معاناة الأيتام ومجهولي النسب، وأثبتت أن الانتماء ليس فقط ورقة تُوقَّع، بل شعور داخلي لا يخبو.
ردود الفعل.. من الدهشة إلى الدعوات للتحقيق
انتشرت القصة كالنار في الهشيم، وتصدرت وسائل الإعلام المحلية والدولية، خاصة بعد أن تحدثت عنها حنان بنفسها. كثير من المتابعين طالبوا بفتح تحقيق حول المستشفى الذي سلّم الطفلة دون إخطار والدتها، كما دعا حقوقيون لإعادة النظر في سياسات الرعاية والتبني.
هل ستكتب حنان المقوب مذكراتها؟
نعم. بحسب مصادر مقربة منها، تعكف حنان حاليًا على كتابة مذكرات بعنوان مبدئي: “عائدة من الغياب.. أنا لست يتيمة”، ومن المتوقع أن تصدر في نهاية 2025.
ختامًا: في زمن يختلط فيه الواقع بالافتراضي، تقدم لنا قصة حنان المقوب درسًا فريدًا: لا شيء يضيع في هذا العالم، حتى وإن طال الزمن.
قد تتأخر الحقيقة، لكنها تظهر دائمًا، وربما عبر إشعار على تطبيق أو مكالمة غير متوقعة.
حنان لم تكتشف فقط من تكون، بل اكتشفت قوة الأمل، وقررت أن تكون صوتًا لمن لا صوت له.