من هو قيصر سوريا؟ قصة أسامة عثمان وتهريب صور التعذيب من داخل أقبية السجون السورية
من هو أسامة عثمان الملقب بقيصر سوريا؟
كشف الناشط الحقوقي السوري أسامة عثمان، المعروف باسم “سامي”، للمرة الأولى عن هويته الحقيقية في مقابلة حصرية مع صحيفة “الشرق الأوسط”، مسلطًا الضوء على دوره المحوري في الكشف عن الجرائم البشعة التي ارتكبتها الأجهزة الأمنية السورية في المعتقلات خلال فترة حكم بشار الأسد. ارتبط اسمه بشكل وثيق بـ”قيصر سوريا”، المصور العسكري الذي هرب آلاف الصور التي وثقت انتهاكات النظام السوري. فما هي قصة أسامة عثمان، وما الدور الذي لعبه في تسليط الضوء على فظائع السجون السورية؟
من هو قيصر سوريا؟
قيصر سوريا هو الاسم المستعار الذي أُطلق على مصور عسكري سابق عمل في إحدى مؤسسات النظام السوري الأمنية. وظيفته كانت توثيق الوفيات داخل المعتقلات والسجون السورية من خلال الصور، والتي كشفت عن الجرائم والانتهاكات المروعة التي ارتكبها النظام بحق المعتقلين.
عمل قيصر بشكل سري مع الناشط الحقوقي أسامة عثمان (المعروف سابقًا باسم سامي) لتهريب هذه الصور إلى خارج سوريا. تضمنت الوثائق عشرات الآلاف من الصور لجثث المعتقلين الذين تعرضوا للتعذيب والجوع حتى الموت. تم الكشف عن هذه الصور لأول مرة عام 2014 في جلسة للكونغرس الأميركي، حيث أصبحت دليلاً قاطعًا على الجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها النظام السوري.
ساهمت هذه الصور في فرض عقوبات اقتصادية وسياسية صارمة على النظام السوري، عُرفت بـ**”قانون قيصر”**، كما تم استخدامها في المحاكم الدولية لإدانة مسؤولين وضباط سوريين متورطين في هذه الانتهاكات. قيصر سوريا لا يزال شخصية مجهولة الهوية حفاظًا على سلامته، لكنه أصبح رمزًا للنضال من أجل حقوق الإنسان في سوريا.
يمنح القانون الإدارة الأميركية آلية واسعة النطاق لتشديد الخناق الاقتصادي على النظام السوري، ما الذي نعرفه عن قانون قيصر؟#الشرق #الشرق_سوريا pic.twitter.com/IEBFrOfjCn
— الشرق للأخبار – سوريا (@AsharqNewsSYR) December 14, 2024
بداية الرحلة: الثورة السورية ووثائق التعذيب
عندما اندلعت الثورة السورية عام 2011، كان أسامة عثمان يعمل مهندسًا مدنيًا في ريف دمشق. المنطقة التي عاش فيها كانت خاضعة لسيطرة المعارضة السورية، بينما عمل صديقه المقرب، الذي عُرف لاحقًا بـ”قيصر”، في مناطق النظام. وظيفة قيصر كانت استثنائية، إذ كُلّف بتوثيق الوفيات داخل أقسام الأجهزة الأمنية بالصور.
بدأ قيصر في مايو 2011 بالتقاط صور لجثث المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب. تضمنت الصور مشاهد مروعة لجثث بلا رؤوس، وأخرى بلا عيون، وجثث تحمل علامات تجويع وتعذيب شديد. كانت بعض الضحايا أطفالًا ونساءً، واتُهم العديد منهم بالإرهاب دون دليل. تلك الصور هزت وجدان أسامة عثمان، الذي قرر التعاون مع قيصر لنقل هذه الجرائم إلى العالم الخارجي.
تهريب الصور: مهمة محفوفة بالمخاطر
قام قيصر بتهريب الصور من أماكن عمله باستخدام أجهزة تخزين صغيرة مثل “يو إس بي”، وسلّمها إلى أسامة عثمان، الذي كان يعيش في مناطق المعارضة. استمرت هذه العملية لسنوات، إذ تمكن الرجلان من تهريب أكثر من 50 ألف صورة توثق الجرائم الممنهجة التي ارتكبها النظام السوري. في عام 2014، خرجت هذه الصور إلى العلن خلال جلسة استماع في الكونغرس الأميركي، مما دفع الولايات المتحدة إلى فرض “قانون قيصر” لفرض عقوبات اقتصادية صارمة على نظام بشار الأسد.
معاناة شخصية وقرارات مصيرية
كشف عثمان عن بعض اللحظات المؤلمة خلال عمله، مشيرًا إلى تأثير هذه المهمة على حياته الشخصية. في حديثه، قال إن أطفاله لم يكونوا يعرفون عن دوره الحقيقي. في إحدى المرات، تفاجأ بابنه يسأله: “لماذا ينام هؤلاء الناس بلا ملابس؟”، في إشارة إلى الصور التي كان يعمل عليها. حرص عثمان على حماية عائلته من مخاطر عمله، إلا أن هذا لم يمنع شعورهم بالخوف المستمر.
سقوط الأسد وظهور الهوية الحقيقية
بعد سقوط نظام بشار الأسد، شعر عثمان بأن الوقت قد حان للكشف عن هويته الحقيقية. وقال في تصريحاته:
“اليوم نحن في سوريا جديدة. أحببت أن يعرف السوريون ما الذي جرى، وأتوجه إليهم برسالة أمل لتحقيق العدالة والمحاسبة.”
أكد عثمان أن فريقه لا يزال ملتزمًا بجمع الأدلة وتوثيق الجرائم لضمان تحقيق العدالة الانتقالية. ودعا إلى الكشف عن مصير المعتقلين والعمل على تقديم الجناة إلى المحاكم الدولية.
دور الصور في تحقيق العدالة
باتت الصور التي هربها عثمان وقيصر أداة رئيسية في المحاكم الدولية لإدانة المسؤولين عن الجرائم في سوريا. استخدمت هذه الصور كدليل في العديد من القضايا المرفوعة ضد ضباط سوريين هربوا إلى أوروبا، حيث تم الحكم على بعضهم بالسجن بتهم التعذيب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
#عاجل‼️🚨شريك “قيصر” أسامة عثمان : التعذيب بالفروع الأمنية السورية كان بالتجويع واقتلاع الأعين . pic.twitter.com/EZsrjV43nV
— موسكو | 🇷🇺 MOSCOW NEWS (@M0SC0W0) December 14, 2024
أهمية العدالة الانتقالية
في رسالته للحكومة الجديدة في دمشق، شدد عثمان على ضرورة:
- محاسبة مرتكبي الجرائم: أكد أن الجرائم ضد الإنسانية لا تسقط بالتقادم.
- حفظ الأدلة: دعا إلى جمع الوثائق والسجلات الرسمية التي قد تُستخدم في محاكمات مستقبلية.
- توفير الدعم للناجين: طالب بتقديم المساعدات الطبية والنفسية للمعتقلين الذين تم الإفراج عنهم.
- إشراك الشعب في عملية بناء الدولة: شدد على أهمية إشراك المجتمع المدني في صياغة مستقبل سوريا.
مصير حزب البعث والوثائق الأمنية
أعرب عثمان عن قلقه من احتمال طمس أو إتلاف الملفات الحساسة في المؤسسات الأمنية والمدنية التابعة للنظام السابق. وقال إن هذه الوثائق تحتوي على معلومات حاسمة حول الجرائم المرتكبة، ومن الضروري تأمينها لضمان عدم إفلات الجناة من العقاب.
أبطال مجهولون
رفض عثمان الكشف عن تفاصيل مغادرته سوريا، مشيرًا إلى أن المهمة كانت محفوفة بالمخاطر وشارك فيها العديد من الأبطال المجهولين. وأكد:
“لست الوحيد في هذا العمل. هناك فريق كامل من الأبطال الذين خاطروا بحياتهم من أجل إيصال هذه الأدلة إلى العالم.”
الخاتمة
يعد أسامة عثمان رمزًا للشجاعة في وجه الظلم والاستبداد. عمله مع “قيصر سوريا” ساهم في كشف الجرائم البشعة التي ارتكبها النظام السوري وجلب الانتباه الدولي لمعاناة الشعب السوري. اليوم، يواصل عثمان دعوته لتحقيق العدالة والمصالحة الوطنية في سوريا، مؤكدًا أن العدالة الانتقالية هي السبيل الوحيد لبناء مستقبل مشرق يضمن حقوق جميع السوريين.