لماذا رفعت الصحف الفرنسية قضية ضد منصة إكس؟
أعلنت مجموعة من الصحف الفرنسية الكبرى، بما في ذلك “لوفيغارو” و”لوموند” و”لو باريزيان”، عن رفع دعوى قضائية ضد منصة إكس، التابعة للملياردير إيلون ماسك، بتهمة انتهاك مبدأ “الحقوق المجاورة”. تتهم هذه الصحف المنصة باستخدام محتواها الصحفي دون دفع تعويضات مالية، في خطوة تصعيدية جديدة تشهدها الأوساط الإعلامية والتكنولوجية في فرنسا. يُعتبر هذا الخلاف جزءًا من النزاع المتصاعد بين شركات التكنولوجيا الكبرى ودور النشر، حيث يتمحور حول كيفية استخدام المحتوى الإعلامي وتوزيع عائدات استخدامه.
تفاصيل الدعوى القضائية ضد منصة إكس
تأتي هذه الدعوى الجماعية أمام المحكمة القضائية في باريس، بمشاركة عدة دور نشر مرموقة، تشمل “لوفيغارو”، “ليزيكو”، “لو باريزيان”، “لوموند”، “تيليراما”، “كورييه إنترناسيونال”، و”لو هافينغتون بوست”. ووفقًا للبيان الرسمي الصادر عن هذه الدور، فقد اختارت الصحف الفرنسية اللجوء إلى القضاء بعد إخفاقها في الوصول إلى اتفاق مع منصة “إكس” بشأن دفع تعويضات عن استخدام محتواها.
مفهوم “الحقوق المجاورة” في السياق الإعلامي
يمثل “الحقوق المجاورة” مبدأً قانونيًا أُقرّ بموجب توجيه أوروبي صدر في عام 2019، يتيح للصحف ووكالات الأنباء الحق في تحصيل عائدات مالية عند استخدام المحتوى الإعلامي الخاص بها على المنصات الرقمية الكبرى. ويعد هذا المبدأ إحدى الطرق التي تهدف إلى ضمان حقوق الناشرين والمساهمة في توفير دخل إضافي لهم في ظل التغيرات الرقمية المتسارعة. وقد أصبح “الحقوق المجاورة” موضوعًا مهمًا للنقاش، خاصةً مع زيادة اعتماد منصات التواصل الاجتماعي على المحتوى الإخباري.
خلفية النزاع بين الصحف الفرنسية ومنصة إكس
قبل هذه الدعوى، تقدمت الصحف الفرنسية، إلى جانب وكالة “فرانس برس”، بدعوى عاجلة ضد منصة إكس وفرعها الفرنسي. وجاءت هذه الدعوى بسبب عدم امتثال المنصة للتفاوض حول حقوق الناشرين الفرنسيين على الرغم من الطلبات المتكررة. وفي شهر مايو الماضي، أصدرت المحكمة حكمًا لصالح المدعين، وطالبت منصة “إكس” بتقديم بيانات تجارية تساعد في تقييم أرباحها الناتجة عن المحتوى الصحفي.
إلا أن منصة “إكس” لم تلتزم بمتطلبات هذا الحكم القضائي، حيث اعتبر المدعون أن المنصة تتجنب التزاماتها القانونية. ونتيجة لذلك، قررت الصحف تصعيد القضية إلى المحكمة القضائية، معتبرةً أن منصة “إكس” تحاول التهرب من التزاماتها المتعلقة بدفع التعويضات.
أهمية هذه القضية ودلالاتها
تعد هذه القضية بمثابة مؤشر على التوتر المتزايد بين شركات التكنولوجيا الكبرى والناشرين، خاصةً في أوروبا، حيث تسعى الحكومات والقوانين المحلية لضمان حقوق الناشرين. وتعتبر الصحافة ركيزة أساسية للإعلام وتقديم المعلومات، ويشكل هذا المحتوى جزءًا كبيرًا من التفاعل والنشاط الذي تشهده منصات التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، تختلف “إكس” في موقفها عن شركات أخرى، مثل “جوجل” و”فيسبوك”، اللتين وافقتا على الدخول في مفاوضات مع الناشرين الفرنسيين ودفع تعويضات عن المحتوى الصحفي. فبينما توصلت “جوجل” و”فيسبوك” إلى اتفاقيات مع بعض الناشرين، فإن “إكس” تتخذ موقفًا متشددًا وتبدي مقاومة لمطالب الصحف، ما يجعلها خارج التوجه العام.
ردود فعل الصحف والإعلام الفرنسي
رحب العديد من المحللين في الإعلام الفرنسي بقرار الصحف بتصعيد القضية ضد منصة “إكس”، معتبرين أن هذا التصرف يعبر عن التزام الصحافة بالدفاع عن حقوقها. ويرى البعض أن تجاهل “إكس” للمطالب القانونية قد يسبب تداعيات سلبية على الصحافة المستقلة، حيث يعتمد العديد من الناشرين على العائدات الناتجة عن نشر محتواهم على المنصات الرقمية.
تطورات القضية والمواقف القانونية المحتملة
يتوقع الخبراء أن هذه القضية قد تكون بداية سلسلة من الإجراءات القانونية، ليس فقط في فرنسا، ولكن أيضًا في دول أوروبية أخرى. فقد يشكل قرار المحكمة الفرنسية سابقة قانونية تؤثر على كيفية تعامل منصات التواصل الاجتماعي مع المحتوى الإعلامي في المستقبل. ومن المحتمل أن تدفع هذه القضية إلى تسريع وضع قوانين إضافية لحماية حقوق الناشرين وتحديد شروط استخدام المحتوى الإخباري على الإنترنت.
كيف يمكن أن تؤثر هذه القضية على المنصات الرقمية الأخرى؟
في حال صدور حكم يلزم “إكس” بدفع تعويضات للناشرين الفرنسيين، قد تواجه المنصات الرقمية الأخرى تحديات مشابهة. ومن المتوقع أن تشهد المحاكم الأوروبية المزيد من القضايا المتعلقة بحقوق المحتوى الإعلامي. وقد تضطر الشركات التكنولوجية العملاقة إلى مراجعة استراتيجياتها في التعامل مع المحتوى الصحفي على منصاتها.
ختامًا: تظل قضية منصة “إكس” والصحف الفرنسية مثيرة للجدل وتعكس مدى تعقيد العلاقة بين الإعلام التقليدي والمنصات الرقمية. وفي ظل تزايد الاعتماد على التكنولوجيا والوسائط الرقمية، ستكون هناك حاجة ملحة إلى إطار قانوني واضح يحدد حقوق وواجبات الأطراف المعنية، بما يضمن حماية حقوق الناشرين ويوفر عائدات مالية مناسبة للمحتوى الإعلامي.